كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال في موضع آخر ساحر وأنهم ربما أطلقوا اسم المفعول مريدين اسم الفاعل مبالغة لأنه كالمخبر عن الفعل وفي الأمر بسؤال اليهود تنبيه على ضلالهم ولما لم يؤمن فرعون على تواتر تلك الآيات وعظمها فكأنه قيل فما قال موسى عليه السلام؟ فقيل:
{قال} لفرعون {لقد علمت} بفتح التاء قراءة غير الكسائيّ وقرأ الكسائيّ بضمها على إخباره عن نفسه. {وما أنزل هؤلاء}، أي: الآيات {إلا رب السموات والأرض}، أي: خالقهما ومدبرهما حال كون هذه الآيات.، أي: بينات يبصر بها صدقي، وأمّا السحر فإنه لا يخفى أنه خيال لا حقيقة له ولكنك تعاند. تنبيه: قوله تعالى: هؤلاء الكلام عليه من جهة الهمزتين كالكلام على هؤلاء إن كنتم في البقرة وقد تقدّم الكلام على ذلك.
ثم حكى الله تعالى أن موسى قال لفرعون: {وإني}، أي: وإن ظننتني يا فرعون مسحورًا {لأظنك يا فرعون مثبورًا}، أي: ملعونًا مطرودًا ممنوعًا من الخير فاسد العقل فعارضه موسى بذلك وشتان بين الظنين فإن ظنّ فرعون كذب صرف لعناده لرب العالمين لوضوح مكابرته للبصائر التي كشف عنها ربها الغطاء فهي أوضح من الشمس، وظنّ موسى عليه السلام قريب إلى الصحة واليقين من نظائر أماراته لأن هذه الآيات ظاهرة وهذه المعجزات قاهرة. ولا يرتاب العاقل أنها من عند الله وفي أنه تعالى أظهرها لأجل تصديقي وأنت منكرها فلا يحملنك على هذا الإنكار إلا الحسد والعناد والبغي والجهل وحب الدنيا ومن كان كذلك كانت عاقبته الدمار والثبور {فأراد}، أي: فما تسبب عن هذا الذي هو موجب للإيمان في العادة إلاأن فرعون أراد {أن يستفزهم}، أي: يستخف بموسى وبمن آمن معه ويخرجهم فيكونوا كالماء إذا سال من قولهم فز الجرح إذا سال. {من الأرض} بالنفي والقتل للتمكن منهم كما أراد هؤلاء أن يستفزوك منها مما هم عليه من الكفر والعناد. ثم أخذ تعالى يحذرهم سطواته بما فعل بمن كان قبلهم وأكثر منهم وأشدّ بقوله تعالى: {فأغرقناه}، أي: فتسبب عن ذلك أن رددنا كيده في نحره كما قال تعالى: {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} [فاطر] أراد فرعون أن يخرج موسى من أرض مصر لتتخلص له تلك البلاد والله تعالى أهلك فرعون وجعل تلك الأرض خالصة لموسى ولقومه فأدخله البحر حين أدخل بني إسرائيل فأنجاهم وأغرق آل فرعون {ومن معه جميعًا} كما جرت به سنة الله تعالى فيمن عاند بعد أن رأى الخوارق وكفر النعمة وأفرط في البغي بعد ظهور الحق فليحذر هؤلاء مثل ذلك ولا سيما إذا خرج رسولنا من بين أظهرهم ففي هذه الآية وأمثالها بشارة له صلى الله عليه وسلم في أنّ الله تعالى يسلك به في النصرة والتمكن سبيل إخوانه من الرسل عليهم الصلاة والسلام.
{وقلنا من بعده}، أي: الإغراق {لبني إسرائيل} الذين كانوا تحت يده أذل من العبيد لتقواهم وإحسانهم {اسكنوا الأرض}، أي: التي أراد أن يستفزكم منها {فإذا جاء}، أي: مجيئًا محققًا {وعد الآخرة}، أي: القيامة بعد أن سكنتم الأرض أحياء ودفنتم فيها أمواتًا {جئنا}، أي: بما لنا من العظمة والقدرة {بكم} منها {لفيفًا}، أي: بعثناكم وإياهم مختلطين لا حكم لأحد على آخر ولا دفع لأحد عن آخر على غير الحالة التي كانت في الدنيا ثم ميزنا بعضكم عن بعض، ثم عطف سبحانه وتعالى على قوله تعالى: {ولقد صرّفنا} قوله عز وجلّ:
{وبالحق}، أي: من المعاني الثابتة التي لا مرية فيها لا بغيره {أنزلناه} نحن، أي: القرآن فهو ثابت لا يزول كما أنّ الباطل هو الذاهب الزائل وهذا القرآن الكريم مشتمل على أشياء لا تزول وذلك لأنه مشتمل على دلائل التوحيد وصفات الجلال والإكرام وعلى تعظيم الملائكة وتقرير نبوّة الأنبياء وإثبات الحشر والنشر والقيامة، وكل ذلك مما لا يقبل الزوال ويشتمل أيضًا على شريعة باقية لا يتطرّق إليها النقص والتغيير والتحريف وأيضًا هذا القرآن تكفل الله تعالى بحفظه عن تحريف الزائغين وتبديل الجاهلين كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر] {وبالحق} لا بغيره {نزل} هو ووصل إليهم على لسانك بعد إنزاله عليك كما أنزلناه سواء غضًا طريًا محفوظًا لم يطرأ عليه طارئ فليس فيه من تحريف ولا تبديل كما وقع في كتاب اليهود الذين سألهم قومك ثم قال تعالى: {وما أرسلناك} يا أفضل الخلق بما لنا من العظمة {إلا مبشرًا} للمطيع {ونذيرًا} للعاصي من العقاب فلا عليك إلا التبشير والإنذار لا ما يقترحونه عليك من المعجزات فإن قبلوا الدين الحق انتفعوا به وإلا فليس عليك من كفرهم شيء، ثم إنّ الله تعالى أخبر أنّ الحكمة في إنزال القرآن مفرّقًا بقوله عز وجلّ: {وقرآنًا}، أي: وفصلنا أو وأنزلنا قرآنًا {فرقناه}، أي: أنزلناه منجمًا في أوقات متطاولة قال سعيد بن جبير نزل القرآن كله ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء السفلى، ثم فصل في السنين التي نزل فيها.
قال قتادة: كان بين أوّله وآخره عشرون سنة وقيل ثلاث وعشرون سنة والمعنى قطعناه آية آية وسورة سورة ولم ينزل جملة {لتقرأه على الناس}، أي: عامّة {على مكث}، أي: مهل وتؤدة ليفهموه {ونزلناه} من عندنا بما لنا من العظمة {تنزيلًا} بعضه إثر بعض مفرّقًا بحسب الوقائع لأنه أتقن في فصلها وأعون على الفهم لطول التأمّل لما نزل من نجومه في مدّة ما بين النجمين لغزارة ما فيه من المعاني ثم إن الله تعالى هدّدهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {قل} لهؤلاء المضلين {آمنوا به}، أي: القرآن {أو لا تؤمنوا} فالإيمان به غير محتاج إليكم ولا موقوف عليكم لأنكم إن آمنتم به كان الحظ لكم وإلا لم تضروا إلا أنفسكم فاختاروا ما تريدون فإن إيمانكم بالقرآن لا يزيده كمالًا وامتناعكم منه لا يورثه نقصانًا وقوله تعالى: {إن الذين أوتوا العلم من قبله}، أي: من قبل إنزاله ممن آمن به من بني إسرائيل تعليل له، أي: إن لم تؤمنوا به وأنتم أهل جاهلية وشرك فإنّ خيرًا منكم وأفضل وهم العلماء الذين قرؤوا الكتب وعلموا ما الوحي وما الشرائع قد آمنوا به وصدّقوه وثبت عندهم أنه النبيّ العربيّ الموعود في كتبهم {إذا يتلى عليهم}، أي: القرآن {يخرون للأذقان} منهم زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعبد الله بن سلام. قال الزجاج: الذقن مجمع اللحيين وكما يبتدئ الإنسان بالخرور إلى السجود فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذقن. وقيل: إنّ الأذقان كناية عن اللحى والإنسان إذا بالغ عند السجود في الخشوع والخضوع ربما مسح لحيته على التراب، فإنّ اللحية يبالغ في تنظيفها فإذا عفرها الإنسان بالتراب في حوض المبالغة فقد أتى بغاية التعظيم، وقيل: إنّ الإنسان إذا استولى عليه خوف الله تعالى فربما سقط على الأرض في معرض السجود كالمغشي عليه فيكون حينئذ خروره على الذقن فقوله: {يخرّون للأذقان} كناية عن غاية ولهه وخوفه وخشيته. فإن قيل: لم قال: {يخرّون للأذقان سجدًا} ولم يقل يسجدون؟
أجيب: بأنّ المقصود من ذكر هذا اللفظ مسارعتهم إلى ذلك حتى كأنهم يسقطون. فإن قيل: لم قال: {يخرّون للأذقان} ولم يقل على الأذقان؟ اجيب: بأن العرب تقول إذا خرّ الرجل فوقع لوجهه خرّ للذقن ثم بين أن ذلك ليس سقوطًا اضطراريًا من كل جهة بقوله تعالى: {سجدًا}، أي: يفعلون ذلك لما يعلمون من خيفته بما أوتوا من العلم السالف وما في قلوبهم من الإذعان والخشية للرحمن.
{ويقولون}، أي: على وجه التجديد المستمرّ {سبحان ربنا} تنزيهًا له عن خلف الوعد {إن}، أي: أنه {كان}، أي: كونًا لا ينفك {وعد ربنا}، أي: المحسن إلينا بالإيمان وما تبعه من وجوه العرفان {لمفعولًا}، أي: دون خلف ولابد أن يأتي جميع ما وعد به في الكتب المنزلة وبشر به من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال الفرقان عليه ومن الثواب والعقاب وهو تعريض بقريش حيث كانوا يستهزؤون بالوعيد في قولهم أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا ونحوه مما في معناه الطعن في قدرة الله تعالى القادر على كل شيء وقوله تعالى: {ويخرّون للأذقان يبكون} كرّره لاختلاف الحال والسبب فإنّ الأول للشك عند إنجاز الوعد والثاني لما أثر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية الله {ويزيدهم}، أي: سماع القرآن خشوعًا، أي: خضوعًا وتواضعًا ولين قلب ورطوبة عين. ولما طالت الكلمات في المناظرة مع المشركين ومنكري النبوّات والجواب عن شبهاتهم أتبعها ببيان كيف يدعون الله ويطيعونه وكيف يذكرونه في وقت الاشتغال بأداء العبودية فقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قل} لهم {ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} واختلف في سبب نزول هذه الآية فقال ابن عباس: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات ليلة وهو ساجد: «يا الله يا رحمن» فسمعها أبو جهل وهم لا يعرفون الرحمن. فقال: إنّ محمدًا ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهًا آخر مع الله تعالى يقال له الرحمن، فأنزل الله تعالى هذه الآية، أي: إن شئتم قولوا يا الله وإن شئتم قولوا يا رحمن.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالدعاء يقول: «يا الله يا رحمن» فسمعه أهل مكة فأقبلوا عليه فأنزل الله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} الآية.
وعن ابن عباس أنّ ذكر الرحمن كان في القرآن قليلًا في أوّل ما أنزل وكان الذين قد أسلموا من اليهود يسوءهم قلة ذلك لكثرته في التوراة كابن سلام وابن يامين وابن صوريا وغيرهم، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فنزل قوله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن}، فقال قريش: ما بال محمد كان يدعو إلها واحدًا وهو الآن يدعو إلهين ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة فنزل {وهم بذكر الرحمن هم كافرون} [الأنبياء] ونزل أيضًا قوله تعالى: {قالوا وما الرحمن} [الرحمن] وفرح مؤمنو أهل الكتاب وهو قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب}، أي: مشركي قريش {من ينكر بعضه} [الرعد].
وعن ابن عباس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: {قل ادعو الله أو ادعوا الرحمن} إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو أمان من السرقة» فإنّ رجلًا من المهاجرين تلاها حين أخذ مضجعه فدخل عليه سارق فجمع ما في البيت وحمله والرجل ليس بنائم حتى انتهى إلى الباب فوجد الباب مردودًا فوضع الكارة ففعل ذلك ثلاث مرّات فضحك صاحب الدار فقال: إني أحصن بيتي. فإن قيل: إذا قال الرجل ادع زيدًا أو عمرًا فهم منه كون زيد مغايرًا لعمرو فيوهم كون الله تعالى غير الرحمن وحينئذ تقوى شبهة أبي جهل لعنه الله تعالى؟
أجيب: بأنّ الدعاء هنا بمعنى التسمية لا بمعنى النداء والتسمية تتعدّى إلى مفعولين يقال دعوته زيدًا ثم يترك أحدهما استغناء عنه فيقال دعوت زيدًا والله والرحمن المراد بهما الاسم لا المسمى وأو للتخيير فمعنى الآية ادعوا باسم الله أو ادعوا باسم الرحمن، أي: اذكروه بهذا الاسم أو اذكروه بذلك الاسم فقوله ادعوا الله ينبه على ملزم في كرمه بحكم الوعد من إفاضة الرحمة والكرم، وأيضًا تخصيص هذين الاسمين بالذكر يدل على على أنهما أشرف من سائر الأسماء وتقديم اسم الله على اسم الرحمن يدل على أنّ قولنا الله أعظم الأسماء وتقدّم الكلام على ذلك في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم والتنوين في قوله تعالى: {أيًا مّا تدعوا} عوض عن المضاف إليه وما صلة للأبهام المؤكد والمعنى أيًا تدعوا فهو حسن فوضع موضعه قوله تعالى: {فله الأسماء الحسنى} لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان لأنهما منها ومعنى كونها أحسن الأسماء أنها مستقلة بمعاني التمجيد والتقديس والتعظيم وقد قدّمنا ذكر الأسماء الحسنى في الأعراف عند قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف] وبعض الأحاديث الواردة في فضلها فليراجع، ووقف حمزة والكسائيّ على الألف بعد الياء ووقف الباقون على الألف بعد الميم، واختلف في تفسير ونزول قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} فروى ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالقراءة فإذا سمعه المشركون سبوه وسبوا من جاء به فأوحى الله تعالى إليه {ولا تجهر بصلاتك} فيسمعه المشركون فيسبوا الله تعالى عدوًا بغير علم {ولا تخافت بها} فلا تسمع أصحابك {وابتغ بين ذلك سبيلًا} وروي أنه صلى الله عليه وسلم طاف بالليل على دور الصحابة فكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يخفي صوته بالقراءة في صلاته وكان عمر يرفع صوته، فلما جاء النهار وجاء أبو بكر وعمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «لم تخفي صوتك فقال: أناجي ربي وقد علم حاجتي، وقال لعمر: لم ترفع صوتك؟ فقال: أزجر الشيطان وأوقظ الوسنان فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يرفع صوته قليلًا وعمر أن يخفض صوته قليلًا». وقيل معناه ولا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها وابتغ بين ذلك سبيلًا، بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار، وقيل إنّ المراد بالصلاة الدعاء، وهذا قول عائشة رضي الله تعالى عنها وأبي هريرة ومجاهد، قالت عائشة: هي الدعاء. وروي هذا مرفوعًا أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: «إنما ذلك في الدعاء والمسألة». قال عبد الله بن شدّاد كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا: اللهمّ ارزقنا مالًا وولدًا يجهرون فأنزل الله تعالى هذه، والمخافتة خفض الصوت والسكون يقال: صوت خفيت، أي: خفيض، ويقال للرجل إذا مات قد خفت، أي: انقطع كلامه وخفت الزرع إذا ذبل والمستحب من ذلك التوسط وهو أن يسمع نفسه كما روي عن ابن مسعود أنه قال: من لم يخافت لم يسمع أذنيه وقد مدح الله تعالى المؤمنين بقوله تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا} [الفرقان] وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال عز من قائل: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} [الإسراء].
وبعضهم قال الآية منسوخة بقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرّعًا وخفية} [الأعراف].
قال الرازي: وهو بعيد. ولما أمر الله تعالى أنه لا يذكر ولا ينادى إلا بأسمائه الحسنى علم كيفية التحميد بقوله تعالى: {وقل الحمد لله}، أي: الملك الأعظم ثم ذكر سبحانه وتعالى من صفات التنزيه والجلال وهي السلوب ثلاثة أنواع الأوّل قوله تعالى: {الذي لم يتخذ}، أي: لكونه محيطًا بالصفات الحسنى {ولدًا} والسبب فيه وجوه الأوّل أنّ الولد هو الشيء المتولد من جزء من أجزاء ذلك الشيء فكل من له ولد فهو مركب من الأجزاء والمركب محدث والمحدث محتاج والمحتاج لا يقدر على كمال الإنعام فلا يستحق كمال الحمد. الثاني: أنّ كل من له ولد فإنه يمسك جميع النعم لولده فإذا لم يكن له ولد أفاض تلك النعم على عبيده. الثالث: أنّ الولد هو الذي يقوم مقام الوالد بعد انقضائه وفنائه فلو كان له ولد لكان منقضيًا ومن كان كذلك لم يقدر على كمال الإنعام في كل الأوقات، فوجب أن لا يستحق الحمد على الإطلاق. النوع الثاني: من الصفات السلبية قوله تعالى: {ولم يكن له} بوجه من الوجوه {شريك في الملك} والسبب في اعتبار هذه الصفة أنه لو كان له شريك لم يعرف حينئذ أنّ هذه النعم والمنافع حصلت منه أو من شريكه فلا يعرف كونه مستحقًا للحمد والشكر. النوع الثالث قوله تعالى: {ولم يكن له وليّ من الذل}، أي: ولم يواله من أجل مذلة به يدفعها بموالاته والسبب في اعتباره أنه لو جاز عليه وليّ يلي أمره كان مستوجبًا لأعظم أنواع الحمد ومستحقًا لأقسام الشكر فنفي عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارًا أو اضطرارًا أو ما يعاونه ويقويه ورتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه كامل الذات المنفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك نعمة أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله تعالى: {وكبره تكبيرًا}، أي: وعظمه تعظيمًا على نفي اتخاذ الولد والشريك والذل وكل ما لا يليق به وترتيب الحمد على ذلك للدلالة على أنه المستحق لجميع المحامد لكمال ذاته وتفرّده في صفاته.
روى الإمام أحمد في مسنده عن معاذ الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «آية العز {الحمد لله الذين لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك} إلى آخر السورة».
وعن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوّل من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدونه في السراء والضراء».
وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده».
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أفضل الدعاء الحمد لله وأفضل الذكر لا إله إلا الله».
وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله تعالى أربع لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله لا يضرك بأيهنّ بدأت». أخرجه مسلم. وروي أنّ قول العبد الله أكبر خير له من الدنيا وما فيها.
وعن عمرو بن شعيب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه {وقل الحمد لله} الآية» يقال أفصح الصبيّ في منطقه فهم ما يقول.
وعن عبد الله بن كعب قال: افتتحت التوراة بفاتحة سورة الأنعام وختمت بخاتمة هذه السورة. وأمّا ما رواه البيضاويّ تبعًا للزمخشريّ وتبعهما ابن عادل أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة بني إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين كان له قنطار في الجنة والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية» فحديث موضوع. اهـ.